الدور العالمي للمؤرخ وخطر الإرهاب وقوى الظلام والفساد على الحياة الإنسانية
الأستاذ الدكتور
إبراهيم سعيد البيضاني
المؤرخ الذي يحمل الدور الفكري الإنساني وخلاصة التجربة التاريخية الإنسانية عبر العصور وفي مختلف الدول والمدن والقوميات والأديان تضعه هذه المواصفات في مواجهة وتحدي كبيرين امام ظاهرة خيرة تهدد التاريخ البشري وهي ظاهرة داعش والقاعدة والإرهاب والجريمة والظلام والفساد وكل رموز وعناوين القتل والجريمة.
وفي الوقت الذي يبحث فيه المؤرخ العالمي في بطون الكتب والاثار والوثائق بحثا عن قيمة او تجربة إنسانية تعزز وترسخ العوامل المشتركة، تستباح اليوم امام عينه الحرمات ويقتل التاريخ وتدمر المدن والحواضر وتهدم الاثار والحضارة وتقدم هذه الصورة البشعة من القتل والدمار بأبشع اشكالها وفي تصعيد ووتيرة تهدد الامن الإنساني وتهدد القيم الإنسانية، فدور المؤرخ الإنساني في مواجهة تنظيم دولي يمتلك أدوات خطيرة في الوحشية والتدمير والفكر، وبالتالي تضعه امام تحدي كبير وخطير عليه ان يرتقي الى مستوى المسؤولية التاريخية.
وعلى الرغم من ان جذور التطرف وجذور الجريمة والتكفير ممتدة الى عمق التاريخ وشواهد تاريخية كثيرة تؤكدها، فان امام المؤرخ خيار البحث عن الأسباب والعوامل التي تخلق مناخات لنمو وانتشار الجريمة والإرهاب والبحث في أفكار وقراءات لبناء وخلق بيئات جديدة يسودها السلام والتعايش والوفاق، وان دراسة الصفحات المظلمة في تاريخ التجربة الإنسانية لا تتم بطريقة تثير الحقد وتخلق أجواء الاتهام والتناحر وانما تتم بطريقة علمية مهنية هدفها إيجاد الحلول وتقديم الوصف الدقيق.
فضلا عن ذلك فان ابرز مهام المؤرخ في مواجهة اخطر جرائم العصر هو الوقوف عن أسباب الضعف والتردي وغياب فرصة العيش الامن وتحقيق البناء والتطور، اذ انه في الذي تعيش فيه دول وبلدان متقدمة في حالة من الرقي والتطور والحياة الإنسانية تعيش دول أخرى أوضاعا مختلفة لم يتوفر فيها ابسط عناصر العيش الإنساني، وبالتالي فان المؤرخ الاكاديمي العلمي المتخصص لابد ان يقف وقفة جادة لدراسة هذه الأسباب وتقديم خلاصة للتجربة الإنسانية في هذا المجال، فالتاريخ دروس وعبر وأسباب وعوامل ووعي وثقافة وهوية.
اذ ان البحث عن الية وطريقة تفكير تتطلب اعتماد المنهج التحليلي الوصفي الدقيق، ومن المهم ان يكون بعد الوصف والتحقيق تقديم القراءات والحلول، بل أصبحت المسؤولية اكبر، امام المؤرخ مسؤولية البحث في المستقبل وتقديم السيناريوهات المتوقعة على ضوء التجربة التاريخية، ولابد ان يمتلك المؤرخ العالمي فكر ثاقب وقدر عالي من التحليل.
والمسؤولية الأكبر ان ينطلق المؤرخ في مواجهة الإرهاب وقوى الفكر المتطرف والفساد من مسؤولية دولية إنسانية باحثا عن المشتركات وليس مثيرا للنزاعات والخلافات، ويوازن بين مصالحه وحاجاته ووجهة نظره وبين متطلبات الدور العالمي والمصالح المشتركة، من خلال البحث في المشتركات والمصالح المتبادلة والفوائد والمصالح التي يحققها التعايش والسلام، فالتفاعل بين الأمم والثقافات والحضارات يسهم في خلق الامن الإنساني يخلق فكرا وثقافة تنمو في ظلها الأفكار والابداعات ويزيد من القدرة الإنتاجية الإيجابية للبشرية، وبالتالي فان مسؤولية المؤرخ مسؤولية إنسانية ويمتلك دورا عالميا إيجابيا.
وبما ان أدوات الإرهاب والجريمة اليوم هي تكنولوجيا وفكر ومصالح وصراعات وبيئة، فان من الضروري ان يكون المؤرخ ماسكا بكل خيوط اللعبة، فالخطر كبير والمسؤولية اكبر، وليس امامه سوى البحث عن فرص للسلام والتعايش وخلق بيئة للامن والاستقرار ونبذ العنف.
لاتعلیق