الأوبئة والطواعين في الكتابات التاريخية الدكتورة سحر السيد ابراهيم / جامعة القصيم

الأوبئة والطواعين في الكتابات التاريخية

الدكتورة  سحر السيد ابراهيم  / جامعة القصيم

مرت البشرية عبر التاريخ بعدد كبير من الأوبئة والطواعين وقد تحدث عنهما عدد كبير من مؤرخي العالم سواء في ثنايا المؤلفات أوفي مؤلفات خاصة بالحديث عن الطاعون والوباء ، حيث كان يتكرر في سنوات كثيرة متقاربة ومتباعدة ولهما علامات واحدة  معروفة  وقد عرفه أبو وليد الباجي المالكي ت 1082م ( هو مرض يعم كثير من الناس في جه من الجهات بخلاف المعتاد من أمراض الناس ويكون مرضهم واحدا بخلاف المعتاد حيث تكون الأمراض مختلفة ) [1].

وقد أختلف الأطباء والفقهاء في تفسير أسباب التي تؤدي لظهور تلك الأمراض ، بالنسبة للأطباء فقد فرقوا بين الطاعون والوباء حيث أن الوباء مرض عام يصيب الإنسان ممكن أن يكون طاعون أولا يكون ويظهر في الناس فجأة ويختفي فجأة أما الطاعون فهو مرض يصيب عضو معين من الجسم فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعون  وقد ذكر كلاوديوس جالينيوس (ت 199م ) سبب حدوث الأوبئة وليس الطاعون الرطوبة وفساد الهواء ، كما أكد الأطباء المسلمون أن  التوسع في العمران الذي يؤدى كثر العفن وازدياد الرطوبة ومن ثم فساد الهواء الذي يسبب انتشار تلك الأوبئة [2].

أما ابن النفيس ت 1288م فقد أرجع أسباب انتشار الأوبئة إلى مسببات أرضية وأخرى سماوية فالأرضية هي انتشارالبرك والمستنقعات  أو ما أسماه بالماء الآسن ( الماء الراكد الضار) وانتشار الجيف أما السماوية هبوب رياح جنوبية في ديسمبر ويناير كما أورد لسان الدين الخطيب أن سببها حركة الأجرام السماوية وعلاقتها بالأرض كذلك إلياس اليهودي المتطيب أرجع سبب حدوث تلك الأوبئة إلى أقتران المريخ وزحل .

وتقترن  تلك الأراء السابقة عن أسباب تلك الأمراض هو فساد الهواء بسبب زيادة الرطوبة مع إشارة الذين أرخوا لتلك الأمراض ومنهم علي الدين بن أحمد السخاوي عندما تحدث عن الطاعون الذي وقع عام 833 هـ  فقال “فيها كان الطاعون العظيم بمصر وقراها بل وبغالب البلاد الشامية ،  وقد خالف هذا الطاعون الطواعين الماضية في أمور كثيرة منها أنه وقع في الشتاء وأرتفع في فصل الربيع وكانت الطواعين تقع في فصل الربيع وترتفع في أوائل الصيف [3]

أما عن طرق انتشاره فتكون عن طريق القوارض والحشرات والفئران بصفة خاصة ثم بعد ذلك بين البشر وقد قسم الأطباء الطاعون إلى ثلاث أنواع منهم النوع الأول[4]: الطاعون الليمفاوي الورمي ويتميز بتورم العقد  اليمفاوية وقد عرفه ابن سينا ” مادة سومية تحدث ورما قاتلا يحدث في المناطق الرخوة في البدن وأغلب ما يكون تحت الأبط وهذا النوع يشمل ثلاث أرباع الطواعين التي تحدث ويبدأ برعشة ثم قئ ثم دوار فحساسية ضد الضوء وألم في الظهر والأطراف وفتور وارتفاع درجة الحرارة تصل إلى 40 درجة وأخطر علاماته هو الإسهال .

النوع الثاني : الرئوي وتصاب فيه الرئتان على نطاق واسع ويبدأ بإلتهاب شعبي رئوي ثم إستسقاء وثم الوفاة بعد أربع أو 3 أيام  ،  النوع الثالث : هو طاعون تعفن الدم  وتغزو فيه البكتيريا الدم وتحدث الوفاة فيه قبل ظهور الطاعون الليمفاوي أو الرئوي حيث يحدث ‘نهيار للجسم وتلف في الدماغ ، وغالب اصابات الطاعون من النوع الأول اما النوع الثاني والثالث فهما مميتان لكن يمكن علاجهما في المراحل المبكرة [5]

أما بالنسبة للفقهاء والعلماء فلديهم أسباب أخرى وردود على الأطباء مفندين الأسباب التى قال بها الأطباء حيث أن تلك الأمراض يقع أغلبها في فصل الربيع أعدل فصول السنة وفي أكثر المناطق أتساعا وأعتدالا

ويرجعون ذلك لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام عن أبي موسى الأشعري عندما سأل عن الطاعون قال (وخزُ إخوانِكم من الجنِّ وفي كلٍّ شهادةٌ )[6] وحديث أخر للرسول فقال: (يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه ابن ماجه في سننه.

و ينقل لنا ابن حجر العسقلاني ت  1445 م أنهما عقوبة من الله لعبادة فيكون تطهير للمؤمن وعقاب للكافر، فقد وقع في عهد سيدنا موسى عندما أنزل الله عقابه على بني اسرائيل وهو الطاعون فطلب منه فرعون أن يسأل ربه أن يرفع عنهم الطاعون وفي مقابل أن يترك بنواسرائيل يخرجون معه.

أشهره في العالم الإسلامي طاعون عمواس الذي مات في عدد كبير من الصحابة في عهد سيدنا عمر بن الخطاب عام 17 هـ وكان في طريقه للشام وعندما علم بظهور الطاعون في الشام وقد استشار سيدنا عمر بن الخطاب الصحابة في أكمال طريقة إلى الشام أو العودة إلى المدينة فتحدث الصحابة هنا بأحاديث الرسول صل الله عليه وسلم التي تأمر المسلمين بعد الخروج من البلاد التي ظهر بها الطاعون أو دخول إليها  وبناء عليه عاد سيدنا عمر ومن معه من الصحابة إلى المدينة المنورة

ونجد لدى ابن إياس الحنفي ت 1523م  (مؤرخ مصر في عصر المماليك الجراكسة )  تفسيراً سياسياً ودينياً لتكرار تفشى الطاعون فيقول لكثرة المعاصي ةممارسة الفواحش ،وفى سلطنة الملك الأشرف قنصوه الغورى العام 1505م  تفشى الطاعون وبلغ ضحاياه فى اليوم الواحد 4 آلاف فأظهر الغورى ميلاً إلى العدل والورع تقرباً لله ليرفع البلاء فأبطل الضرائب ودعا الناس للإقلاع عن المعاصى. وأفرج عن المسجونين ونادى بأنه «لا ظلم اليوم ومن له شكوى فعليه بالأعتاب الشريفة».[7]

وويذكر لنا جلال الدين السيوطي ت 1505م في كتابه الرحمة في الطب دعاء عند ظهورها  للوقاية من تلك الأوبئة فإن الأنسان يدعو الله فيقول ( سلام قول من رب رحيم 280 مرة في اليوم كفته ) وهناك علاج النبي صل الله عليه وسلم للوباء بالدعاء والتضرع إلى الله فقال عندما سأل عن الوباء فنزل عليه جبريل وقال له علم أمتك هذا الدعاء يقرؤونه مرة واحدة ويزيدون عليه سورة الإخلاص يقرونها على رأس ثورأو غيره  ويفرق لحمه وكل من أكل منه يذهب الله عنه الوباء والطاعون [8] “اللهم أنى اسألك بأسمائك يامؤمن يا مهيمن يا قريب خلصنا من الطاعون والوباء يا الله الأمان يا الله الأمان يا الله الأمان يا ذا النعمة السابغة يا ذا الكرامة الظاهرة يا ذا الحجة البالغة خلصنا من الوباء والطاعون يا الله الأمان يالله الأمان يا الله الأمان وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد .

وقول أخر للشافعي عن الوقاية من الطاعون  ( لم أرى افضل من البنفسج يدهن به ويشرب ) كما وضع اطباء المسلمين طريقة لعلاج الطاعون وهي عن طريق الفصد وهو إخراج الدم الفاسد بالتشريط أو الوقاية منه بعدم  ملئ المعدة بالطعام والشراب والمداومة على النظافة بالماء والخل ووالإهتمام بتنظيف البيت وتهويتة.[9]

[1] – المقريزي ، إغاثة الأمة بكشف الغمة ، المقدمة ، ص 15

[2] – أحمد العدوي الطاعون في العصر الأموي، المركز العربي للدراسات والبحوث ، ص53

[3] – السخاوي ، علي بن أحمد السخاوي ، تاريخ السلطان فرج بن برقوق ، ص23

[4] -أحمد العدوي الطاعون في العصر الأموي، المركز العربي للدراسات والبحوث ،ص 55

[5] – المقريزي ، المصدر السابق ، ص 20

[6]أحمد العدوي الطاعون في العصر الأموي، المركز العربي للدراسات والبحوث

[7] – أحمد العدوي الطاعون في العصر الأموي، المركز العربي للدراسات والبحوث ، ص 60

[8] – السيوطي ، مخطوط الرحمة في الطب ، ص 107

[9] – أحمد العدوي الطاعون في العصر الأموي، المركز العربي للدراسات والبحوث ، ص60

لاتعلیق

اترك تعليقاً