المسألة الجزائرية في المؤتمرات الدولية 1814-1818 ” جخدان بوعبدالله


المسألة الجزائرية في المؤتمرات الدولية 1814-1818 “

مؤتمر إكس لاشابيل Aix _La chapelle  1818″ أنموجا  :

جخدان بوعبدالله

_1 وفود المؤتمر وأهدافه  :

       عقدت الأوتوقراطيات الأربع الكبرى انجلترا ،والنمسا وروسيا وبروسيا هذا المؤتمر في سبتمبر عام 1818، وقد حضره رئيس الوزراء الفرنسي الدوق “دي ريشيليو ممثلا لفرنسا ،[1] وقيصر روسيا وإمبراطور النمسا “كابوديسترياس” ونيسلورد و الكونت “برنتشتورف”و مثل انجلترا لورد كاسلري ودوق ولنجتون .[2]

     نتيجة التحالف المقدس الذي جمع كلا من النمسا و بروسيا و بريطانيا باستمرار  العمل على إقصاء أسرة نابليون عن فرنسا وعلى وجوب اجتماع ممثلي الدول المتعاقدة في فترات يتفق عليها للبحث في مصالحها المشتركة وفي شؤون سلام أوروبا وأمنها ، غير أن تحالف لم يكن حقيقيا فكان مترنيخ يريد جعل الحلف الرباعي أداة فاعلة لقمع الحركات الحرة في جميع أنحاء أوروبا وآلة في يد التحالف المقدس رغم رفضه الإنضمام إليه وعدو المبادئ الحرة في العالم ، ورأى كاسلريه محافظ في أعين خصومه الأحرار والمستبد وعدم تدخل الدول في السياسة الدول وحكمها الداخلي وكان يرى حماية ألمانيا وتقويتها لتقف سدا في وجه فرنسا و روسيا وانه يعرف قيمة التحالف مع النمسا كدعامة محافظة وعدم رغبته في مشاهدة بريطانيا تَجرُ تَدخُلَ في شؤون الداخلية لأوروبا وأن مواطنيه لن يسمحوا لأنفسهم بالإشتراك في سياسة مترنيخ ذات الشدة و القمع و بمرور الوقت حصلت خلافات بين سياسة بريطانيا و النمسا، [3]  كما اتسمت هذه السنوات بمحاولات روسيا وكنتيجة طبيعية لما كانت عليه مكانتها في 1814-1815 توسيع نطاق هيمنتها وخروجها إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط بعد أن أخفقت محاولاتها في التغلغل إلى وسط أوربا، والواقع أن سياسة الإمبراطور الروسي الكسندر تجاه البحر المتوسط بدت أكثر وضوحا عام 1816 م حينما طلب من أعضاء الحلف المقدس التدخل العملي للقضاء على القراصنة البربر في البحر المتوسط، وأعرب عن استعداده لانجاز المهمة بمفردة بدلا عنهم، إلا أن تدخل بريطانيا وعرضها القيام بذلك بالتعاون مع السلطان العثماني قد أفسد خطة القيصر الكسندر وفي آذار 1817 فاوض الكسندر ، ملك اسبانيا فرديناند السابع لأجل الحصول على ميناء جزيرة مينورقة Minorca ، مقابل حصول اسبانيا على بعض قطع الأسطول الروسي، والمساعدة الروسية في تدعيم سلطة الملك في بلاده وفي مستعمراتها المتمردة في أمريكا الجنوبية، وأثارت سياسة روسيا باهتمام النمسا وقلق مترنيخ الشديد، نظرا للإرتباطاته العائلية في بادن وفورتمبرغ ، وما كان يقوم به وكلاؤه في نابولي من تشجيع ودعم للفحامين Carbonari هناك وكأنها بداية لتغلغل روسي واضح في مناطق النفوذ النمساوي[4] في المانيا وايطاليا، ولا سيما أنها تزامنت مع نشاطات القيصر الكسندر في البحر المتوسط فإقترح مترنيخ اقتراح تشكيل عصبة ثالثة لدفع الخطر الروسي ورفضه كاسلريه خوفا من التصدع التحالف ولحسن نية  اقترح القيصر الكسندر على كاسلريه تخيفض القوات العسكرية الروسية شريطة التزام النمسا وبروسيا بتقليص قواتها ومنشآتها العسكرية، بيد أن هذا المقترح لم يلق استحسان بريطانيا لعدم إمكانية تطبيقه في ظل اختلاف ظروف الواقع السياسي للدول الثلاث، وكذلك النمسا لفقدان الثقة بالكسندر، “ولاسيما وان الكسندر كان دائم التبجح بإمكانية وضع مليون مقاتل في ساحة المعركة.[5]

    أما فرنسا في شهر نوفمبر من عام 1815 م رأى التحالف الأوروبي  أن موقف الشعب الفرنسي يهدد عملها ، إلا أن تعقل الشعب الفرنسي أثار دهشة الحلفاء رغم تواجد قواتهم على آراضيها حتى تدفع غرامة الحرب و ظهرت في هذه الفترة معارضة اليسار ( فلاحين و عمال و صغار البرجوازية والضباط السابقين )عودة نظام القديم،و معارضة اليمين (كبار ملاك الأراضي ) ضد نظام السابق وخشيتهم من سيطرة الملكيين المتطرفين راغبين في قلب النظام ، فرأى الحلفاء أن الملكية المعتدلة تمارس السلطة في فرنسا ، وهنا ظهر دوق دي ريشيليه رئيس مجلس الوزراء في السلطة منذ 24سبتمبر 1815 أن يعمل على إرضائهم والذي سبقه أن عاش في روسيا أثناء هجرته وعمل حاكما على أوديسا الحاضي بثقة الإسكندر فقبله الحلفاء بسهولة لأنه عرف عنه الاعتدال والولاء فإصطدم دي ريشيليه بمعارضة الملكيين المتطرفين الذين حصلوا على الأغلبية في الجلس المعقود وهنا نصحت انجلترا وروسيا لويس الثامن عشر بحل هذا المجلس في سبتمبر 1816 ، وأجرت انتخابات جديدة وفاز المعتدلون وظهر موقف فرنسا 1817 أكثر ثباتا وأفاد الدوق دي ريشيليه انه سيحاول بناء سياسة الخارجية لفرنسا بناءا على هدفين جلاء الحلفاء عن الآراضي الفرنسية دون انتظار خمسة سنوات و كذا قبول فرنسا دخول في المجموعة الأوروبية ،[6] وهكذا لم يستطع النبلاء أو الإشراف إطلاقا استرجاع سلطانهم و امتيازاتهم القديمة ،أما رجال الدين ازدادوا ضعفا أمام مساواة القانون وحرية الشخصية والحرس الأهلي وإلغاء نظام الإقطاع والنظام القضائي الجديد دون أن تتأثر بعودة الملكية إلى الحكم ولم يحاول أحد إلغاء قوانين نابليون الشهيرة ولا إقفال الجامعة التي أسسها ، وهكذا بدت الملكية العائدة بتقاليدها المطلقة لا تناسب مجتمعا أصبحت تسوده مبادئ المساواة والحرية ونزعة بعيدة كل البعد عن الدين ،[7] وضع رشيليو في جدول أعمال وزارته بعد 1817 هدفا رئيسيا هو إنهاء الاحتلال واستعادة قبول فرنسا في المحفل الأوربي، الأمر الذي تطلب إيفاء فرنسا بكل التزاماتها المالية لتكون نافذتها لتهدئة شكوك الحلفاء، وتزيل عوامل الشك والريبة التي اقترنت بالثورة الفرنسية وسيرا بهذا الاتجاه، فقد اتخذت وزارة رشيليو إجراءات مالية كثيرة وناجحة أثمرت بالنتيجة في تسديد الغرامة المالية، [8] فهي سياسة داخلية من قبل الدوق دي ريشيليه لجعل الحلفاء يوافقون على الجلاء من أراضيه قبل الميعاد وكذلك للقضاء على الروح الثورية. [9]

    تضمن جدول الأعمال المؤتمر اكس لاشابيل سحب القوات المحتلة من الأراضي الفرنسية وتجدر الإشارة أن ريشيليو قد سعى جاهدا خلال العامين السابقين على انعقاد المؤتمر اكس لاشابيل إلى إقناع الأوتوقراطيين الأربعة الكبار بضرورة سحب قواتهم من فرنسا في أقرب فرصة ممكنة وعدم الانتظار إلى نهاية الخمس سنوات التي حددوها في مؤتمر باريس الثانية * كفترة احتلال أن يضج الشعب الفرنسي وتزداد لدى أفراده مشاعر العداء القوى الأربع الكبرى على نحو قد يهيئ لإيقاظ الروح الثورية في نفوس الفرنسيين ، [10] ونظرا لما أبدته فرنسا بتقيد بمقررات مؤتمر فينا ورغبة في محافظة على التوازن الدولي فقد وافق مندبوا انجلترا وروسيا وبروسيا والنمسا على الجلاء من الأراضي الفرنسية قبل نهاية شهر نوفمبر1818 ، بالمقابل تتعهد فرنسا بدفع غرامة المفروضة عليها مرة واحدة وقرار هذا كان قد صدر رغم تخوف انجلترا من روسيا المتحمس لمساعدة فرنسا ، [11] وأمام حجج ريشيليو المقدمة اضطر ولينجتن قائد قوات الاحتلال بفرنسا إرسال محققين لدراسة حال الرأي العام الفرنسي وسرعان ما أكدت الدراسة صواب ادعاءات ريشيليو الأمر الذي تمخض عن اقتناع الحلفاء بضرورة سحب قوات فرنسا،[12]  وفي ربيع  1818 تم استعداد الرسمي والفعلي لسحب القوات شريطة أن تدفع فرنسا الغرامة الحربية  المحددة من قبل معاهدة الصلح بأكملها ، وفي 19 أكتوبر 1818، تم الجلاء قوات التي تحتل فرنسا غير أن ريشيليو لم يكتف وطالب المؤتمرين بقبول فرنسا عضوة في زمرة القوى الكبرى مؤكدا لهم فقط لإرضاء العزة القومية الفرنسيين وتدعيم النظام الملكي الفرنسي  رغم الاختلال في بداية الأمر وافقوا في الأخير على المطلب وأصبحت فرنسا واحدة من ضمن القوى الكبرى المقررة لنسق الأوروبي، بعد أن اقنع مترنيخ ممثلي انجلترا وروسيا وبروسيا بإتفاق سري بين الأربعة بإستخدام جيوشها الأربعة مشتركة و متحدة ضد فرنسا في حالة ترتب تهديد امن الدول المجاورة ، وتم ذلك في1نوفمبر 1818 ، غير أن موافقة انجلترا كان فقط اعتلاء أحد أسرة بونابرت عرش فرنسا،[13] توجت أعمال مؤتمر اكس لاشابيل بتوقيع بروتوكول في الخامس عشر من تشرين الثاني عام  1818م من قبل ممثلي النمسا، فرنسا، بريطانيا، بروسيا وبروسيا، أعيدت بموجبه فرنسا كعضو فاعل في المحفل الأوربي. تضمن هذا البروتوكول مقدمة وخمسة مواد، جاء في مقدمته: “إن وزراء النمسا، فرنسا، بريطانيا، بروسيا، وروسيا قد اجتمعوا في هذا المؤتمر لتدارس العلاقات التي يجب أن تبنى بين فرنسا والدول الموقعة على معاهدة باريس الثانية والتي ستضمن لفرنسا المكانة الملائمة في النظام الأوربي مما سينعكس في تعزيز السلام والهدوء العام”، أما المادة الأولى من البروتوكول فقد بينت “تصميم المؤتمرين القوي على عدم التخلي عن مبادئ الاتحاد الصميمي في تسيير علاقاتهم المتبادلة أو علاقاتهم مع الدول الأخرى”،أما المادة الثانية، فقد بينت “أن هذا الاتحاد سيكون قويا وقادرا على الحفاظ مع السلام بقدر عدم اعتماد أعضاءه على المصالح الخاصة والحاجة المؤقتة في تسيير شؤونهم”، أما المادة الثالثة، فقد أشارت إلى “أن فرنسا التي أنظمت إلى الدول الأخرى باسترجاع الملكية الشرعية تتعهد من الآن فصاعدا بان تتعاون في المحافظة وتعزيز النظام الذي لوحده أعطى السلام لأوربا ولوحده يضمن استمرار وبقاء السلام”، أما المادة الرابعة، فقد بينت “انه من اجل المحافظة على السلام فان القوى الموقعة على هذا البروتوكول ترى أن من الضروري أن تعقد اجتماعات خاصة أما للملوك أو لوزرائهم أو ممثليهم من اجل معالجة مصالحهم الخاصة بصورة مشتركة، وأن وقت ومكان هذه الاجتماعات سوف يحدد مسبقا من خلال الاتصالات الدبلوماسية وإذ ما قدر لهذه الاجتماعات إن تتناول شؤون دول أخرى، فيجب أن يتم ذلك من خلال دعوة هذه الدول رسميا للمشاركة فيها”، أما المادة الخامسة، فقد بينت “وجوب إعلام كل بلاطات أوربا بقرارات هذا البروتوكول من خلال تصريح خاص” يعد مؤتمر اكس لاشابيل من انجح المؤتمرات الدورية. إذ انتهت بموجبه الوصاية الدولية على فرنسا.[14]

_2مناقشة مسألة القرصنة المغاربية في الحوض المتوسطي :

      مسألة أمن البحر الأبيض المتوسط إحدى القضايا الساخنة التي نالت إهتمام الدول المسيحية بزعامة انجلترا منذ عقد مؤتمر لندن 1816م ،التي لم تخرج بأي نتيجة أو اتفاق حول إنهاء القرصنة المغربية عموما و الجزائرية خاصة و رغم ما شهدته من تراجع فالجزائر أعادت بناء أسطولها و معاودة نشاطها مما جعل المؤتمرين يناقشون القضية في مؤتمر اكس لاشابيل في جنوب ألمانيا 1818 من طرف القوى الخمسة الكبرى ” انجلترا و فرنسا و روسيا و بروسيا و النمسا “،[15] وتم اتفاق على توقيع بروتوكول  20نوفمبر1818 جاء فيه :” اتفق المفاوضون طبقا لنص بروتوكولي على أن يواصلوا في المؤتمر الوزاري الذي سيعقد في لندن النظر في المقترحات لإلغاء القرصنة التي تمارسها الدول البربرية (المغربية) بطريقة فعالة … وقد طلبوا إلى مندوبي بريطانيا و فرنسا بوصفها ممثلين للبلاطين اللذين يجب أن يكون لنفوذهما ثقل أكبر لدى هذه القرصنة الذي يقلق التجارة السلمية التي ستكون له آثار تجعل الإيالات المغاربية أن تفكر عاجلا في نتائجه التي قد تمس وجودها نفسه … وتحتفظ البلاطات الخمس بحقها في تحذير الباب العالي أيضا بصورة ودية من الأخطار التي قد تتعرض لها الإيالات المغربية نتيجة استمرارها في ممارسة القرصنة من حيث أنها ستكون سببا في قيام الدول الأوروبية بإتخاذ اجراءات حاسمة.[16]            

_3 فرنسا وبريطانيا تتبنى تنفيذ قرارات مؤتمر إكس لاشابيل 1818 وموقف المغاربة منها :

أ_الجزائر وموقفها من مؤتمر اكس لاشابيل 1818 :

     وكان مؤتمر اكس لاشابيل آخر المؤتمرات التي ناقشت مسألة القرصنة، فبروتوكول الصادر هو مخطط واضح بالقضاء على القرصنة المغربية وتم ذلك بتكوين أسطولين  في النصف الثاني من سنة 1819  الأول انجليزي” توماس فريمانتل “و الثاني فرنسي بقيادة “جوريان دي لاغرافيير  “لإرغام المغاربة بتخلي عن عمليات القرصنة وتوجها مباشرة إلى الجزائر وحظي بلقاءين.[17]

ب_مقابلة الداي مع مبعوثي دول اكس لاشا بيل :

ب- -1تقرير مقابلة الأولى 5سبتمبر 1819: في يوم 5سبتمبر 1819 توجه مبعوثان لمقابلة الداي حسين على الساعة الحادية عشرة صباحا مرفقين بقنصلي بلديهما العامين و بضابطين من هيئة أركانهما صحبة كل واحد منهما ذلك أن الداي قد أعلن أنه سيستقبل ثلاثة أشخاص من كل أمة فقط،[18] أخذ مبعوث الفرنسي الكلمة ليقدم للداي التصريح الذي وضعته المؤتمرين في اكس لاشابيل مرفقا بمذكرة توضيحية وطلب المبعوث من الداي أن يكون رده على الإشعار كتابة كذلك استلم الداي المذكرتين ومعها ترجمة باللغتين التركية والعربية الموقعة من طرفهما كذلك فقرأها الداي ، فإندهمش من احتجاج المقدم له الذي لا أساس له كون الجزائر في حالة سلم مع كل الدول الأوروبية وانه منذ وصوله لم يحدث شيء من هذا القبيل في الجزائر وقال هذا الإجتماع عديم الجدوى وكان رد المبعوثان أن الجزائر في سلم مع أوروبا منذ أن وصل إلى الحكم لكن ماضي وحكم أسلافه قد وقعت حوادث خطيرة فهو مسؤول عن كافة أعمال أسلافه ولعدم معاودت الكرة أسلافه تطلب منه دول الأوروبية ضمانات مستقبلية بإتخاذ قرار ثابت ومحدد فأعرب الداي حسين أنه لن يسمح بحجز أية سفينة ولا ممتلكات أي سفينة أوربية الذين لهم قنصلا معتمدا في الجزائر ويحافظ على السلم بين الإيالة و الدول الأوربية أو أحد رعاياها أليس هو سيد في مثل هذا الأمر في أن يعلن الحرب ويطالب بالتعويضات عن الأضرار التي لحقت به ؟ فكان رد نعم من قبل المبعوثان لكن المحايديين سيتضررون، وأن هدفنا تأمين المبادلات الأوروبية إلى الأبد وتأمين تجارتها الممارسة تحت حماية القانون العام وحقوق الإنسان فرد الداي بعدم إزعاج تجارة المحايديين وهنا طلب المبعوثان تدوين الضمانات كتابة بناءا على تعليمات حكوماتهما فطلب الداي تفكير في الموضوع الذي شكك في صحتة المبعوثين وأنها من تلقاء نفسيهما[19].

ب-2-المقابلة الثانية :تمت في 9 سبتمبر 1819م: طلب المبعوثان بواسطة مترجمهما هل سمو الداي مستعد لإعطاء الجواب مكتوبا ردا على مذكرتيهما ، فكان رد الداي بواسطة مترجمين أنه لم يعتد على أية دول الأوربية وانه وفق معتقداته ومبادئه ينوي ضبط علاقاته ومساعيه مع الدول الأوروبية دائما في هذا الإتجاه ولكن لا يبدو ضروريا إعطاء هذا الجواب مكتوبا ، وعلى إثرها طلب المبعوثان مقابلة الداي لتوضيح الموضوع وحددت المقابلة يوم 9 سبتمبر على الساعة الواحدة بعد الظهر ، وقدم للداي مشروع تصريح مترجم إلى العربية يتضمن التأكيدات التي كلف المترجمين بتبليغها للمبعوثين وترجياه قراءته بتمعن وإقراره بوضع خاتمه عليه ومشروع التصريح هو مايلي :”إن السيدين مبعوثي جلالتيهما إلخ،ترجيا سموه إقرار هذا التصريح بوضع خاتمه عليه لكونه لم يعتد على أية دولة أوروبية مهما كانت منذ توليه السلطة وانه وفقا لمبادئه ، فإن نيته هي ضبط علاقاته دائما في هذا الإتجاه مع الدول الأجنبية ” وعند قراءته صرح بأن يبلغا حكوماتهما به لكنه لم يوقع لكونه لم يتلق أي إشعار موقع من عاهليهما، [20]  فكان رد المبعوثان أنه لم تجري العادة أن يكتب الملوك عندما يوفدون مبعوثين بل مذكرات فقط فرد لا استطيع إعطاء الجواب مكتوب ، فهدده المبعوثان فرد الداي متسائلا أليس من حقه إعلان الحرب ضد أعدائه فرد مبعوثان انه خارج مهمتهما وأنه سيعبئ ضده قوات كل الدول الأوروبية ، ورد إذا كان عليه إحراق أسلحته التي لم تعد بناء على ما يطلب منه بذات جدوى فرد مبعوثان يجب احتفاظ بأسلحته كما تحتفظ بها دول الأخرى دون إزعاج وإقلاق تجارة الأمم الأخرى ، وصرح الداي بإحترام جميع معاهدات التي تربطه بالأمم الأوروبية التي في حالة سلم مع الجزائر وقناصل معتمدين لديه ويمنع من اعتداء عليها لكن له حق بتفتيش وحجز كل السفن التي لا تحمل جوازات السفر مضبوطة ، فرد مبعوثان أن هذا هو موضوع شكوى الرئيسي للدول الأوروبية الكبرى لأنه مضيعة للوقت وزيادة في المصاريف وحجز الصحي عالي التكلفة .

    لقد لا حظ سمو الداي أنه من الحائز أن يكون في حالة حرب منذ الغد مع تونس ليتأكد من هو صديق وعدو ولا يعد صديق صديقا إلا تلك الأمم التي لها أعوان معتمدين لدى سموه وأمم أخرى عدوة مالم توفد مبعوثا لتصالح مع الجزائر فرد مبعوثان أن هذا المسلك سيعرضه للخطر ويهدد وجود دولته الجزائر وهنا توقف الحديث بين الطرفين وطلب المبعوثان إذن الإنصراف مرديين مرة أخرى، إذا كانت نيته الإستمرار في القرصنة ضد التجارة الأوروبية فإنه يجب عليه أن يتوقع إنهيال جميع أسلحة أوروبا عليه .

  لم يرد سموه على هذا التصريح لقد إستأذن المبعوثان في الإنصراف وتمنى لهما سموه بلطف وامتنان رحلة سعيدة [21]بعد أن أبلغهما بأنه لا يخضع لأوامر الملوك الأوروبيين ، وأن دولته حرة في محاربة من تشاء وفي سلم من تشاء وأن سيفتش السفن الأجنبية جميعا [22]وأمر بتكثيف النشاط البحري كما أنذر جميع القناصل الأوروبيين المعتدين بالجزائر بانه في حالة ما إذا رفضوا دفع الإتاوات المقررة عليهم يعتبرون أعداءا. [23]

-4موقف كل من تونس و طرابلس الغرب و المغرب الأقصى من قرارات مؤتمر اكس لاشابيل :

أ-تونس و طرابلس الغرب :

    أبحر الوفد الأوربي بعد تلك المحاولات الفاشلة إلى تونس التي وافقت على احترام كل المعاهدات المعقودة مع الدول الأوروبية و الإجماع الأوروبي على إنهاء الحملات البحرية ، وعلى الرغم من أن الجزائر هي التي تعرضت للقصف والتدمير من حملة اكسموث فإن موقفها كان قويا وفيه تحد واضح للقوى الأوروبية مجتمعة على عكس تونس وطرابلس التي وصلتها الفرقة الإنجلوفرنسية يومي 8 أكتوبر 1819 حيث أبلغت به أيالات المغرب ، وقد كان رد يوسف باشا كما يلي :” صاحب السمو باشا طرابلس نشعر … بكل مشاعر الإحترام والصداقة لأصحاب الجلالة ملكا انجلترا وفرنسا وإلى ملوك القوى الأوروبية الذي اجتمعوا في اكس لاشابيل فإننا لندين من هذا اليوم 9 أكتوبر “وإلى الأبد كل مظاهر القرصنة والنهب سواءا بالبحر أم الأرض ، وأيضا بعدم السماح لأي من سفننا التجارية بأن تدنو لتهاجم في البحر أي سفينة أو مركب تابعة للقوى المشار إليها أعلى.[24]

ب- المغرب الأقصى :

   وكان موقف المغرب الأقصى من قرارات مؤتمر إكس لاشابيل من خلال قول أبي العباس الناصري :

“وفي هذه السنة 1233ه/1818 أبطل السلطان الجهاد في البحر و منع رؤساءه من القرصنة به على الأجناس وفرق بعض قراصنته على الإيالات المجاورة مثل الجزائر وطرابلس وما بقي منها المدافع وغيرها من آلة الحرب وأعرض عن أمر البحر راسيا بعد أن كانت قراصنة المغرب أكثر وأحسن من قراصنة صاحب الجزائر وتونس. [1]

الإحالات

1-نصار(ممدوح)،وهبان (أحمد) ، التاريخ الدبلوماسي العلاقات السياسية بين القوى الكبرى 1815-1991،قسم العلوم السياسية ،كلية التجارة ،جامعة الإسكندرية ،د.ت.ط.

2-عصمت راشد (زينب) ، تاريخ أوروبا الحديث في القرن التاسع عشر ،ج2، دار الفكر العربي،القاهرة ، د.ت.ط.

3-الزيدي( المفيد) ، موسوعة تاريخ اوروبا الحديث و المعاصر من الثورة الى الحرب العالمية الأولى (1914-1789)، ج3، ط 1، دار أسامة ،عمان الأردن،2004 .

4-حاوي الشويلي( زيدان حسان), مؤتمر فينا 1814-1815، رسالة لنيل شهادة الماجستير ،جامعة بغداد,العراق ،2003.

5-رنوفان (بيير) ، تاريخ العلاقات الدولية 1914_1815، تعريب جلال يحي ، دار المعارف ،مصر ،ط2، 1971.

6-المقرحي (ميلاد أ) ، تاريخ أوروبا الحديث 1848_1453، ط1،دار الكتب الوطنية قان يونس، بنغازي ، 1996.

7-فيشر(هربرت.أ.لـ)،تاريخ أوروبا في العصر الحديث 1789-1950،ط2،تعريب احمد نجيب هاشم ووديع الضبع،دار المعارف،القاهرة،1984.

8-هريدي(أحمد صلاح)  ، تاريخ اوروبا الحديث و المعاصر 1914-1789، ط1 ،دار الوفاء لدنيا الطباعة و النشر ،د.م.ن، 2003.

-9The protocol of Congress of Aix la Chapelle, 15 November,1818,D.p. H.E.C,Doc.No6,pp14-16.  

10-هلايلي (حنيفي) ،،العلاقات الجزائرية الأوروبية و نهاية الإيالة 1815_1830 ، ط1،دار الهدى ، الجزائر، 2007.

11-شالر(وليام)،مذكرات قنصل أمريكا في الجزائر(1824-(1816،تعريب و تعليق و تقديم اسماعيل العربي ،شركة الوطنية للنشر و التوزيع،الجزائر،1982.

12-رزيق(محمد)،العلاقات الجزائرية الفرنسية من خلال معاهدة التافنة “1837 تحليل وثيقة دبلوماسية”، ،الشاطبية للنشر و التوزيع ط1،2012.

13-فركوس (صالح) ، محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث و المعاصر1925_1830،مديرية النشر لجامعة قالمة،الجزائر،2010.

14-فركوس (صالح) ، مختصر في تاريخ الجزائر “من عهد الفينيقيين إلى خروج الفرنسيين “، دار العلوم للنشر و التوزيع ، 2002.

-15De Grammont (H.D),‹‹ un episode diplomatique à Alger aux xvii siècle ›› ,in,R.A °26,1882.

16-قنان (جمال)، نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر الحديث((1830_ 1500 ،مؤسسة الوطنية للطباعة والنشر والتوزيع، 1987 .

-17Detassy( laugier), histoire du Royaume d’Alger, Préface Noël Laveau & André Nouschi, Editions, Loysel, Paris 1992.                   

-18Garrot( Henri),histoire générale de l’algérie , édition crescenzo,alger 1910.

19-الزبيري( محمد العربي)،التجارة الخارجية للشرق الجزائري قبل الإحتلال ((1830_1792،شركة الوطنية للنشر و التوزيع ، الجزائر،1792.

20-عزت عبد الكريم (أحمد) ، دراسات في تاريخ العرب الحديث ، دار النهضة العربية ،بيروت ،لبنان .د.ت.ط.

الهوامش :

[1] هلايلي( حنيفي) ، المرجع السابق، ص. 18

[1] نصار(ممدوح)  ، وهبان (أحمد) ، التاريخ الدبلوماسي العلاقات السياسية بين القوى الكبرى 1815-1991،قسم العلوم السياسية ،كلية التجارة ،جامعة الإسكندرية ،د.ت.ط.، ص . 49

[2] عصمت راشد (زينب) ، تاريخ أوروبا الحديث في القرن التاسع عشر ،ج2، دار الفكر العربي،القاهرة ، د.ت.ط.، ص. 243

[3] الزيدي( المفيد) ، موسوعة تاريخ اوروبا الحديث و المعاصر من الثورة الى الحرب العالمية الأولى (1914-1789)، ج3، ط 1، دار أسامة ،عمان الأردن،2004 ،ص . 701

[4] حاوي الشويلي( زيدان حسان), مؤتمر فينا 1814-1815، رسالة لنيل شهادة الماجستير ،جامعة بغداد,العراق ،2003. ،ص . 136

[5] نفس المرجع ،ص . 137

[6] رنوفان (بيير) ، تاريخ العلاقات الدولية 1914_1815، تعريب جلال يحي ، د.م ،مصر ،ط2، 1971، ص ص 52-51.

[7] المقرحي (ميلاد أ) ، تاريخ أوروبا الحديث 1848_1453، ط1،دار الكتب الوطنية قان يونس، بنغازي ، 1996، ص . 366

[8] حاوي الشويلي (زيدان حسان) ، المرجع السابق ، ص 140.

[9] رونوفان (بيير) ، المصدر السابق ،ص .52

* معاهدة باريس الثانية 20/11/1815م : عاملت بريطانيا في تسوية عقب حكم مائة يوم بالإعتدال و بروسيا نالت مرادها (الألزاس و اللورين) و بدا ولنجتن و كاسلريه تحول فرنسا الخسارة لمصلحة انجلترا و فائدة لأوروبا أن تقدم كل معونة ممكنة لأسرة الفرنسية المالكة لكي تحتفظ بولاء شعبها نعم قضي على فرنسا أن تتخلى عن دوقية بويون و شطر من الآردن الى مملكة الاراضي المنخفضة و أن تسلم حصون سارلوى ولنداو لألمانيا و أن تدفع غرامة قدرها سبعمائة مليون فرنك و أن تخضع لجيش الاحتلال لفترة ثلاث الى خمس سنوات و أن تعيد كنوز الفنية التي سمحت لها معاهدة الصلح السابقة بأن تبقيها في يدها و لكن لم يكن في هذه الشروط ما يتعذر على كرامة فرنسا القومية احتماله. ينظر:

فيشر(هربرت.أ.لـ)،تاريخ أوروبا في العصر الحديث 1789-1950،ط2،تعريب احمد نجيب هاشم ووديع الضبع،دار المعارف،القاهرة،1984.ص 115

[10] وهبان( أحمد)، نصار (ممدوح) ، التاريخ الدبلوماسي… ، المرجع السابق ، ص . 49

[11] هريدي(أحمد صلاح)  ، تاريخ اوروبا الحديث و المعاصر 1914-1789، ط1 ،دار الوفاء لدنيا الطباعة و النشر ،د.م.ن، 2003.، ص . 143

[12] رونوفان (بيير)، نفس المصدر ، ص . 62

[13] وهبان( أحمد)، نصار (ممدوح) ،  المرجع السابق، ص ص 50-51.

[14] The protocol of Congress of Aix la Chapelle, 15 November,1818,D.p. H.E.C,Doc.No6,pp14-16.  

[15] هلايلي (حنيفي) ،،العلاقات الجزائرية الأوروبية و نهاية الإيالة 1815_1830 ، ط1،دار الهدى ، الجزائر، 2007، ص 15.

[16] شالر(وليام)،مذكرات قنصل أمريكا في الجزائر(1824-(1816،تعريب و تعليق و تقديم اسماعيل العربي ،شركة الوطنية للنشر و التوزيع،الجزائر،1982.،ص ص 324-323. لم يتوصل المجتمعون الى اتفاق على خطة العمل المشترك ضد الدول المغربية ،حيث سوية بإرسال مبعوثان (انجليزي و فرنسي) لإبلاغ الداي بتصريح موجه لدول المغرب البحرية جاء فيه:”إن الدول التي إجتمعت في ايكس لاشابيل قد عقدت العزم على وضع حد لنظام القرصنة الذي هو ليس مضرا بالمصالح العامة لكل الدول فقط و إنما أيضا مخرب لكل أمل في الرخاء بالنسبة للذين يستخدمونه ،و إذا ما استمرت الإيالات في إتباع نظام هو عدو للتجارة الآمنة فإنها سوف تجر عليها قيام عصبة عامة من الدول الأوروبية ضدها ، و يجب عليها أن تفكر في ذلك قبل فوات الأوان،لذلك أن قيام مثل هذه العصبة قد يؤدي إلى تهديد وجودها ذاته ، و في هذا الظرف العصيب فإن الوعود الشفوية لن تكون كافية إذ المطلوب هو عهد رسمي على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لأمن الملاحة ، و تجارة جميع الدول و بما أننا بلغناكم نوايا الدول الحليفة كتابة فإننا نعتبر أنه من حقنا أن ننتظر منكم ردا على هذا المسعى بنفس الطريقة .”هذا و تجدر الإشارة أنه خلال هذا المؤتمر سعت فرنسا إلى إستبعاد الدولة العثمانية .ينظر :

رزيق(محمد)،العلاقات الجزائرية الفرنسية من خلال معاهدة التافنة “1837 تحليل وثيقة دبلوماسية”، ،الشاطبية للنشر و التوزيع ط1،2012 ،ص47.

[17] رزيق(محمد)، المرجع السابق ،ص . 326ينظر كذلك: فركوس (صالح) ، محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث و المعاصر1925_1830،مديرية النشر لجامعة قالمة،الجزائر،2010،ص3.ينظر ذلك :

فركوس (صالح) ، مختصر في تاريخ الجزائر “من عهد الفينيقيين إلى خروج الفرنسيين “، دار العلوم للنشر و التوزيع ، 2002، ص . 111 ينظر كذلك :

De Grammont (H.D),‹‹ un episode diplomatique à Alger aux xvii siècle ›› ,in,R.A °26,1882,pp 384_385.

[18] قنان (جمال)، نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر الحديث((1830_ 1500 ،مؤسسة الوطنية للطباعة والنشر والتوزيع، 1987 ، ص. 267

[19] قنان (جمال)، نفس المرجع ، ص ص 268_269.

[20] قنان (جمال)،  المرجع السابق، ص . 270

[21] قنان (جمال)،   المرجع السابق ، ص ص 271- 272.

[22] Garrot( Henri),histoire générale de l’algérie , édition crescenzo,alger 1910, p641.

[23] الزبيري( محمد العربي)،التجارة الخارجية للشرق الجزائري قبل الإحتلال ((1830_1792،شركة الوطنية للنشر و التوزيع ، الجزائر،1792،ص . 42

[24] هلايلي (حنيفي) ، العلاقات الجزائرية الأوروبية و نهاية الايالة  ،المرجع السابق ،ص. 17ينظر كذلك:  عزت عبد الكريم (أحمد) ، دراسات في تاريخ العرب الحديث ، دار النهضة العربية ،بيروت ،لبنان، ص. 341

لاتعلیق

اترك تعليقاً